تشهد السنوات الأخيرة انخراط عدد متزايد من النساء في الحديث عن تجاربهن خلال مرحلة ما قبل انقطاع الطمث، حيث باتت التغيرات الهرمونية في منتصف العمر تجذب الانتباه إلى ما هو أبعد من الأعراض الجسدية، لتكشف أيضًا عن إرهاق عاطفي ونفسي ظل خفيًا على مدى سنوات. هذه المرحلة كثيرًا ما تشكل نقطة تحول بالنسبة للنساء الطموحات اللاتي اعتدن القيام بمهام عدة وتحمل الضغوط، إذ يشعرن بتراجع ملحوظ في الطاقة وقدرة التحمل، بينما تصبح المهام التي كانت عادية مرهقة والتعب شعورًا مصاحبًا بشكل يومي، كما تنخفض القدرة على تحمل الأعباء النفسية والعاطفية.
تشير الأبحاث التي امتدت على مدار عقود بحسب ما أورده موقع سايكولوجي توداي إلى وجود ارتباط قوي بين تقلبات هرموني الإستروجين والبروجسترون، وبين مختلف وظائف الجسم مثل النوم والذاكرة وتنظيم المشاعر. ولا يقتصر تأثير هذه التغيرات على النواحي النفسية والاجتماعية، بل يظهر كذلك في التأثير البيولوجي على مناطق الدماغ المسؤولة عن التذكر والانفعالات والتنظيم الذاتي.
من جهة أخرى، أشار خبراء الصحة إلى أن هذا التحول البيولوجي يتزامن مع لحظة وعي نفسي متزايدة بين النساء في الأربعينيات والخمسينيات، وذلك مع بروز اتجاهات جديدة ترصد التحولات في الحدود الشخصية والعطاء، مثل “نادي نحن لا نهتم” الذي أسسته ميلاني ساندرز على وسائل التواصل الاجتماعي. ويعكس هذا الاتجاه انتقالًا من السعي المستمر لإرضاء الآخرين إلى مرحلة إعادة تعريف الذات وترتيب الأولويات والاعتراف بالقيود الطبيعية.
لكن الأمر لا يخلو من تحديات، إذ تعاني العديد من النساء من ظاهرة الاستبعاد الطبي، حيث لا تلقى شكاواهن الاهتمام أو تُشخّص بشكل غير دقيق، مما يفاقم المشاعر السلبية بالعزلة والحيرة خلال هذه الفترة الحساسة. ورغم هذه التحديات، بات التواصل والدعم المتبادل عنصرًا فعّالًا في منح العديد من النساء الشعور بأنهن مسموعات ويتم تفهمهن على نحو أفضل.
شدد الخبراء في هذا الصدد على أهمية دعم النساء خلال مرحلة ما قبل انقطاع الطمث من خلال التوعية بالحقائق العلمية، وتوفير رعاية نفسية متخصصة وموارد موثوقة، مؤكدين أن هذه الفترة ليست مجرد مسألة صحية، بل تعتبر منعطفًا هامًا في حياة المرأة وفرصة لإعادة بناء الذات.
